هلا كندا – وكالات – كشف تقرير صادر عن شبكة “الجزيرة” الإعلامية، عن الدول التي تتسابق لتطوير أسلحة الليزر في ظل تنامي الحاجة لتدابير دفاعية وارتفاع حدة التوترات على كافة الأصعدة.
في هذا السياق، بدأت تتزايد الجهود لتطوير أسلحة دفاع جوي مضادة للمسيرات، وصولا إلى إطلاق شبكات لاصطيادها، إلا أننا اليوم على حافة تطور كبير في هذا النطاق، ناحية سلاح لا يصدر أي صوت، ولا إصابات بشرية، ولا انفجارات عشوائية، وبطلقة واحدة تكلفتها أقل من دولارين.
في يوليو، أعلنت كوريا الجنوبية أنها بصدد البدء في إنتاج سلاح ليزر يمكنه إسقاط الطائرات المسيرة بأعداد كبيرة وبتكلفة أقل كثيرا من تكلفة منصات الدفاع التقليدية ضد المسيّرات.
ويمثل نظام تدمير الطائرات المسيرة، الذي يُسمى “بلوك- وان”، انطلاقة مشروع “حرب النجوم” الذي تنفذه سول بهدف التسلح بالليزر، وفقا لما جاء في بيان أصدرته إدارة برنامج المشتريات الدفاعية التي تتولى عمليات الشراء والتطوير والإنتاج العسكري.
في عام 2019، أطلقت وكالة التطوير الدفاعية، التي تمولها كوريا الجنوبية، هذا المشروع لتسليح الليزر بتكلفة بلغت 63.4 مليون دولار، وتعاقدت الوكالة مع شركة “هانوا” الكورية الجنوبية لتصنيع هذا السلاح.
وبالرغم من تطوير عديد من الدول لأسلحة الليزر، ومنها أميركا وبريطانيا وإسرائيل وتركيا وألمانيا واليابان، فإن كوريا الجنوبية ستصبح أول من يطرحها على نطاق واسع.
كما أضافت الإدارة أن منصة “بلوك- وان” تعمل بتقنية إطلاق أشعة الليزر من مصدر الضوء المتولد من الألياف البصرية، مما يمنح السلاح دقة أكبر في استهداف الطائرات المسيرة الصغيرة والسريعة من مسافة قريبة.
كما تخطط الإدارة لتطوير نسخة أكثر قوة من هذا النظام الحالي، باسم “بلوك- تو”، وتوقعت أنها “ستغير قوانين اللعبة” في المستقبل، إذ ستعزز النسخة القادمة قوة شعاع الليزر إلى مئات الكيلووات، بهدف إسقاط أهداف أكبر، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات الحربية التقليدية.
ربما لا يحتاج الأمر إلى إطلاق صواريخ ضخمة لتدمير طائرة مسيّرة، فالتشويش على أنظمة التحكم والملاحة الخاصة بالمسيرة يكون كفيلا بإبطال مفعولها، وهنا يمكن لشعاع الليزر إنجاز هذه المهمة.
إذ يستطيع شعاع ليزر قوي بالقدر الكافي أن يؤثر على أي جهاز إلكتروني، مما يؤدي إلى توقفه عن العمل. وحسب بيان الإدارة، فإن منصة “بلوك- وان” نجحت في تدمير 100% من أهدافها خلال اختبار عسكري بالذخيرة الحية، وهذا قبل أن تُمنح الضوء الأخضر لاستخدامها في ساحة القتال العام الماضي، ويُفترض أن شعاع الليزر في هذا السلاح سيصهر جسم الطائرة المسيّرة ويحرق الإلكترونيات داخلها.
ولم يُختبر هذا السلاح بعد في سيناريوهات عسكرية حقيقية، لكنه يتزامن مع انتشار الطائرات المسيّرة الرخيصة في ساحات القتال المشتعلة عالميا، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمعارك الحدودية مع حزب الله اللبناني.
تمكّنت المنظومات الدفاعية التقليدية من التصدي لبعض هذه الطائرات المسيّرة، ولكن مقابل تكلفة أعلى كثيرا. في حين أن أنظمة الليزر ستوفر -نظريا- سلاحا يتصدى لهذه المسيّرات، لكنه سلاح أرخص وأكثر استدامة.
ومقارنة بالصواريخ التقليدية المضادة للمسيّرات، تتمتع أنظمة الليزر العالية الطاقة بعدة مزايا إستراتيجية، أولاها أن تكلفة تشغيلها أرخص بصورة ملحوظة.
مثلا، لا يتطلب عمل المنصة الجديدة “بلوك- وان” سوى الطاقة الكهربائية، وتطلق أشعة ليزر صامتة وخفية تكلف 1.45 دولار فقط لعملية الإطلاق الواحدة.
وللمقارنة في سياق منصات دفاعية أخرى، فإن منصة إطلاق الليزر أرخص كثيرا من صاروخ “تامير” الإسرائيلي، الذي تبلغ تكلفته 40 ألف دولار، في منظومة القبة الحديدية لجيش إسرائيل.
وهي أرخص للغاية من صواريخ “ستينغر” أرض- جو التي تنتجها شركة الأسلحة الأميركية رايثيون، إذ تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد 480 ألف دولار.
وتضخّ كل تلك الدول المتنافسة استثمارات ضخمة في أنظمة أسلحة الليزر، لأن مثل هذه الأنظمة تحمل في طياتها القدرة على قلب الحسابات العسكرية والاقتصادية للحروب الحديثة لصالح من يملكها إذا نجح في تطويرها واستخدمها في أرض المعركة، حسب تقرير من مؤسسة راند البحثية.
على مدار العقود الماضية، تطورت مجموعة متنوعة من أنظمة الليزر التي تنتج فوتونات الضوء بأطوال موجية مختلفة عبر الطيف الكهرومغناطيسي، من الأشعة تحت الحمراء إلى الأشعة فوق البنفسجية.
والآن، بدأت أنظمة الليزر العالية الطاقة تجد طريقها إلى تطبيقات في الأسلحة العسكرية، إذ تستخدم هذه الأنظمة بلورات مخصصة لتحويل الطاقة الكهربائية إلى فوتونات ضوء ذات طاقة قوية.
وتتنوع التأثيرات الناتجة عن شعاع الليزر قوة الشعاع، ومادة السطح المستهدف.
وعادة، تُستخدم أنظمة الليزر المنخفضة الطاقة، التي تنتج الضوء في الطيف المرئي، في بعض الأدوات الاستهلاكية مثل مؤشرات الليزر وفي العروض الضوئية في المناسبات العامة، ولأنها منخفضة الطاقة فهي تنعكس عن السطح من دون أن تسبب له أي أضرار.
في المقابل، تُستخدم أنظمة الليزر العالية الطاقة في العمليات الجراحية الطبية لقطع الأنسجة في الجسد البشري. أما أقوى أنظمة الليزر القادرة على تسخين وتبخير وصهر وإحراق مواد مختلفة، فتُستخدم في البيئات الصناعية لمهام مثل لحام المعادن وقطعها.
وحاليا، تتبنى الجيوش حول العالم أنظمة الليزر العالية الطاقة بصورة متزايدة، مدفوعة جزئيا بالتطور في أنظمة الليزر الصناعية من النوع نفسه.
ففي يناير الماضي، أعلنت بريطانيا نجاح منصة “دراغون فاير” في اجتياز أول اختبار ميداني بإسقاط عدة طائرات مسيّرة قبالة سواحل أسكتلندا باستخدام أشعة الليزر.
وبرنامج “دراغون فاير” هو برنامج تكنولوجي بتكلفة 30 مليون جنيه إسترليني انطلق عام 2017، وتشارك فيه وكالة مختبر العلوم والتكنولوجيا الدفاعية التابعة للحكومة البريطانية، وشركة تصنيع الصواريخ “إم بي دي إيه”، وشركة ليوناردو المملكة المتحدة لصناعة الطيران، وشركة التقنية العسكرية “كينيتي كيو”. وتعمل وزارة الدفاع البريطانية حاليا على تسريع وتيرة تطوير هذه التقنية، مع توقع تركيبها على السفن الحربية خلال 5 إلى 10 سنوات قادمة.
ومن أبرز مميزات أسلحة الليزر العالية الطاقة هي قدرتها على توفير ذخيرة لانهائية، على عكس الأسلحة التقليدية التي تعتمد على كمية محدودة من الذخيرة، إذ يمكن لليزر العالي الطاقة أن يستمر في الإطلاق ما دام مصدر الطاقة الكهربائية متوفرا له.
كما أن أشعة الليزر ليست بها مخاطر وقوع أضرار جانبية مثل الصواريخ، فحتى إن أخطأ الليزر هدفه، فإنه سيستمر في الانطلاق لأعلى وفي النهاية يُمتص ويتشتت في الغلاف الجوي. لذا، فإن الليزر يعد سلاحا دفاعيا بالدرجة الأولى، إذ لا يمكن استخدامه إلا لإيقاف التهديدات الوشيكة، وليس لإحداث ضرر بالغ بأسلحة العدو.
وكذلك أشعة الليزر أقل عرضة بكثير للتأثر بأي استعدادات مضادة من العدو، وبحكم كونه شعاعا من الضوء، ينتقل الليزر بأسرع سرعة معروفة في الكون وهي سرعة الضوء، وبمجرد انطلاق الشعاع، لا يوجد أي شيء آخر في الطبيعة يستطيع اللحاق به أو إبطال مفعوله.
وكذلك يقلل سلاح الليزر الاعتماد على الذخائر الحربية، التي يجب تجديدها باستمرار، وهو ما يخفف الضغط على العمليات اللوجستية العسكرية ومصادر الإنتاج الصناعية، مما يتيح للقوات المتمركزة في المواقع العسكرية الأمامية إمكانية مواصلة عملياتها لفترة زمنية أطول من دون الحاجة إلى إعادة التزود بالذخيرة، بشرط أن تتوفر لها مصادر الطاقة المناسبة.
لكن في الوقت ذاته، لا تزال تلك الأسلحة بعيدة نوعا ما عن أن تصبح حلا سحريا، إذ تواجهها عوائق تقنية ومالية وسياسية تحول دون نضوجها واستخدامها على نطاق واسع في أرض المعركة.
ومثلا، السبب في أن تطوير هذه الأسلحة يستغرق مدة زمنية طويلة هو أنه لكي تتمكن من تدمير طائرة مسيّرة تحتاج إلى شعاع ليزر قوي بكثافة عالية للغاية.
ولكن إن كان شعاع الليزر قويا للغاية، فقد يتفاعل بقوة مع الهواء في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى امتصاصه أو تشتيته.
لذا، ينبغي تحقيق التوازن المثالي لمعطيات الشعاع، مثل قدرة طوله الموجي وهيئته، للتأكد من إمكانية انتشاره لمسافات طويلة من دون حدوث تشتت ملحوظ.
ولكن ذلك كله لم يوقف كوريا الجنوبية عن خط سيرها لتطوير هذه النوعية من الأسلحة، وهي حاليا واحدة من كبرى الدول الآسيوية ذات الثقل العسكري في القارة، إذ احتلت المركز الثامن في قائمة الدول المصدرة للأسلحة والتاسع في قائمة الدول الأكثر إنفاقا على التسلح خلال العام الماضي.
كما زادت البلاد ميزانيتها العسكرية بنسبة 4.4% بسبب الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة في المنطقة، خاصة في ظل تزايد حدة التوتر في علاقاتها مع كوريا الشمالية.
وتعمل كوريا الجنوبية بنشاط على تعزيز قدراتها العسكرية وأنظمتها الدفاعية، مع تطورات كبيرة في كل من التقنيات التقليدية والحديثة لمواجهة التهديدات الإقليمية التي تمثلها جارتها الشمالية.
إذ تسعى الحكومة إلى زيادة إنفاقها العسكري بصورة كبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة لدعم تلك التطورات، وتخطط لإنفاق 346.7 تريليون وون كوري (262.8 مليار دولار) في تلك الفترة لتعزيز قدراتها الدفاعية، وفقا لما ذكرته وزارة الدفاع في البلاد نهاية العام الماضي.