هيثم حمد – رئيس تحرير هلا كندا
من المعروف في التاريخ السياسي الكندي أن حكومات الأقلية نادرًا ما تصمد لفترة طويلة في البرلمان، وغالبًا ما تستمر لمدة عامين فقط من أصل أربع سنوات المخصصة لولاية الحكومة. ومع ذلك، يبدو أن رئيس الوزراء جاستن ترودو يسعى لجعل هذه المرة استثناءً في تاريخ الحزب الليبرالي، حيث يعمل جاهداً للبقاء في منصبه كرئيس وزراء كندا على الرغم من التحديات المتصاعدة والمشاكل التي يعاني منها الكنديون على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ترودو يواجه انتقادات واسعة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة بشكل غير مسبوق، وهو ما ينعكس سلبًا على شعبية حكومته. بالإضافة إلى ذلك، تتزايد الضغوط السياسية من المعارضة، سواء من حزب المحافظين أو الحزب الديمقراطي الجديد، الذين يطالبون بتحسين الأوضاع أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وأثارت استقالة كريستيا فريلاند من منصبها كوزيرة المالية في الحكومة الليبرالية الكندية حالة من الفوضى السياسية ودعت إلى تجديد المطالب برحيل رئيس الوزراء جاستن ترودو أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
الخيارات المطروحة أمام الليبراليين
الكثير من الضغوطات يواجها ترودو الذي انخفضت شعبيته بشكل كبير وحسب اخر استطلاع للرأي ان 67% من الكنديين يؤيدون استقالة ترودو! في هذا الوقت يجب على ترودو أن يتحرك بسرعة لتشكيل حكومته الجديدة واستبدال الوزراء الذين أعلنوا أنهم لن يترشحوا في الانتخابات القادمة و تعزيز العلاقات الكندية-الأمريكية استعدادًا للتعامل مع الإدارة الأمريكية المقبلة تحت قيادة ترامب، والتي قد تفرض تعريفات بنسبة 25%. تأخير التحرك قد يؤدي إلى مزيد من الانشقاقات داخل الحزب وانهيار البرلمان بحلول نهاية يناير أي ما يقارب 6 أسابيع من الان.
يواجه ترودو وحزبه الليبرالي خيارات صعبة في ظل أزمات متتالية وتراجع الدعم الشعبي. كل قرار سيتخذه في الأسابيع المقبلة سيكون حاسمًا لتحديد مستقبل حكومته ومصير الحزب الليبرالي في كندا.
الخيار الأول والذي يدفه به أعضاء الحزب الليبرالي المعارضين لترودو هو ان يتنحى ترودو قبل عودة البرلمان في أواخر يناير، مما سيمنح الحزب الليبرالي فرصة لاختيار زعيم جديد قبل الانتخابات. ومع ذلك، يبدو أن ترودو لا يريد التنحي حتى لا يظهر كأنه أُجبر على ذلك بسبب تراجع شعبيته او ضغوطات احزاب المعارضة او الضغوطات الأمريكية من دونالد ترامب. وإذا استقال ترودو من زعامة الحزب الليبرالي، سيقوم مجلس الإدارة الوطني للحزب بتعيين قائد مؤقت وتنظيم سباق سريع لاختيار خليفة له. ورشحت ترشيحات مؤخراً عن تولي وزيرة الخارجية الحالية ميلاني جولي زعامة الحزب او النائبة السابقة وحاكمة مقاطعة بريتش كولومبيا السابقة كريستي كلارك.
اما الخيار الثاني: قد يحاول ترودو البقاء حتى الانتخابات المقررة في خريف 2025، على أمل تحسين الأوضاع الاقتصادية واستعادة شعبية الحزب. ولكن ذلك يعتمد على دعم الحزب الديمقراطي الجديد NDP، الذي هدد زعيمه جاغميت سينغ بإسقاط الحكومة مراراً إذا استمر ترودو في منصبه ولكنه لم يفعل لانه اكثر المستفيدين من استمرار انخفاض شعبية ترودو والحزب الليبرالي. جاغميت سينغ وحزب NDP يسعى الى تصنيفه بحزب المعرضة الرسمي نظرا لاتجاه الكثير من الكنديين ممن كانوا يؤيدون الحزب الليبرالي الى تأييد حزب NDP.
الخيار الثالث: من الممكن أن تنهار الحكومة بسبب تصويت الثقة، ما يؤدي إلى انتخابات مفاجئة. أو يمكن لترودو أن يختار تعليق عمل البرلمان مؤقتًا لتجنب تصويت الثقة وكسب الوقت، لكن هذه الخطوة محدودة بالقوانين التي تتطلب عودة البرلمان لتأمين التمويل الحكومي.
في أي من السيناريوهات التي يواجها جاستن ترودو، يمكنه اختيار تعليق عمل البرلمان مؤقتاً عبر تقديم طلب إلى الحاكم العام. ويُعرف هذا الإجراء بـ “تعليق البرلمان” أو “تأجيل جلساته”، وهو أداة سياسية تتيح للحكومة إعادة ترتيب أولوياتها أو تجنب تصويتات الثقة التي قد تؤدي إلى إسقاطها ويمنحها وقتًا إضافيًا لإعادة تنظيم صفوفها، ولكن تعليق البرلمان يأتي مع قيود زمنية؛ فوفقًا للقوانين البرلمانية في كندا، هذه القوانين وُضعت لتجنب استغلال الحكومات لهذا الإجراء كوسيلة للبقاء في السلطة دون مساءلة.
بصراحة، وحسب التاريخ السياسي الكندية الذي تجاوز 150 سنة لم يأتي رئيس وزراء على كندا مثل جاستين ترودو تشبث بالحكم بشكل غريب بالرغم من الرفض على كل الأصعدة سواء الشعبية والحزبية والدولية!