هلا كندا – تشهد سياسات الهجرة العالمية تحولا لافتا مع دخول القوى الاقتصادية الكبرى في سباق جديد لاستقطاب العقول والمهارات العالية.
وذلك بعد القرار المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم باهظة تبلغ مئة ألف دولار على تأشيرات العمالة الماهرة من فئة H-1B، وهو ما أثار قلق شركات التكنولوجيا وأحدث ارتباكا واسعا بين آلاف العاملين الأجانب في وادي السيليكون.
القرار الأميركي، الذي رفع تكلفة التأشيرة نحو خمسين ضعفا، أثار موجة انتقادات واسعة في أوساط قطاع التكنولوجيا، إذ سارع العديد من الموظفين الأجانب العاملين في شركات كبرى مثل “غوغل” و”آبل” و”مايكروسوفت” إلى العودة بشكل عاجل إلى الولايات المتحدة.
ودفع بعضهم مبالغ كبيرة لتأمين مقاعد على رحلات طارئة خشية فقدان مواقعهم. ورغم توضيحات البيت الأبيض بأن الرسوم تخص المتقدمين الجدد فقط وأنها تُدفع لمرة واحدة، فإن مستقبل برنامج H-1B يبقى غامضا، خاصة مع تزايد الأصوات الأميركية التي تعتبره عبئا على سوق العمل المحلي رغم كونه شريانا حيويا لصناعة التكنولوجيا.
في المقابل، وجدت بريطانيا في القرار الأميركي فرصة لتعزيز موقعها كوجهة مفضلة للمواهب العالمية.
وأكدت وزيرة المالية رايتشل ريفز أن بلادها تسعى للتميز عن الولايات المتحدة عبر الانفتاح على الكفاءات، مشيرة إلى خطة لمضاعفة عدد تأشيرات العمالة الماهرة ليصل إلى نحو 18 ألف تأشيرة سنويا.
وجاء تصريحها خلال افتتاح المقر العالمي الجديد لشركة “ريفولت” في لندن، حيث أعلنت الشركة الناشئة عن استثمار ضخم بقيمة أربعة مليارات دولار وخلق ألف وظيفة جديدة، في خطوة تعكس ثقة الشركات التقنية الكبرى بمستقبل بريطانيا كمركز عالمي للمال والأعمال.
أما كندا، فقد التقطت الخيط سريعا، إذ قال رئيس الوزراء مارك كارني خلال كلمة في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك إن بلاده قد تتمكن من الاحتفاظ بجزء من هذه الكفاءات التي كانت تتجه تقليديا إلى الولايات المتحدة، واصفا الأمر بفرصة لا يجب تفويتها.
ورأى خبراء الهجرة أن كندا تمثل الوجهة الطبيعية لهؤلاء المهنيين ذوي المهارات العالية والدخل المرتفع، مستشهدين بتجارب سابقة حين دفعت القيود الأميركية الشركات متعددة الجنسيات إلى نقل كوادرها إلى مكاتبها في كندا.
وتشير دراسات اقتصادية إلى أن خفض حصة تأشيرات H-1B عام 2004 دفع العديد من الشركات الأميركية إلى توظيف نفس الكفاءات في كندا والهند والصين، كما أن التجربة الأحدث عام 2023 لا تزال حاضرة حين أطلقت أوتاوا برنامجا خاصا لحاملي هذه التأشيرات في الولايات المتحدة للحصول على تصاريح عمل لثلاث سنوات في كندا، وهو البرنامج الذي أغلق خلال 24 ساعة بعد أن تقدّم إليه 10 آلاف شخص.
ومع ذلك، يحذر خبراء اقتصاديون من المبالغة في الرهانات، مشيرين إلى أن النظام الكندي نفسه يواجه تحديات بنيوية تتعلق بتقليص أعداد الهجرة في السنوات الأخيرة، فضلا عن الجدل السياسي المحتدم حول برنامج العمالة الأجنبية المؤقتة، إلى جانب الأجور التي تبقى أدنى من نظيرتها الأميركية، ما قد يحد من جاذبية كندا على المدى الطويل.
محرر أخبار في شبكة هلا كندا، يتمتّع بخبرة طويلة في مجال الصحافة والإعلام الإلكتروني