هلا كندا – عاد الجدل مجدداً حول عصابة “الفهود الوردية”، إحدى أخطر شبكات الجريمة المنظمة في العالم، بعد الاشتباه في تورطها في عملية السطو الجريئة على متحف اللوفر الفرنسي، والتي استهدفت قاعة “أبولو” الشهيرة التي تضم جواهر ملكية لا تقدّر بثمن من تراث فرنسا الإمبراطوري.
ونفذ اللصوص العملية متنكرين في زيّ عمال صيانة، مستخدمين رافعة للوصول إلى الطابق العلوي من المتحف صباح يوم السرقة، قبل أن يباشروا بكسر صناديق العرض الزجاجية عالية الأمان بمنشار كهربائي. واستولوا خلال سبع دقائق فقط على ثماني قطع نادرة، في واحدة من أسرع السرقات وأكثرها احترافاً في تاريخ المتاحف الفرنسية.
وتضمنت المسروقات تاجاً مرصعاً بالياقوت ومجوهرات تعود إلى ملكات القرن التاسع عشر مثل ماري أميلي وهورتنس، إضافة إلى عقد وأقراط من مجموعة الإمبراطورة ماري لويز زوجة نابليون بونابرت، وتاج وبروش مذهّب للإمبراطورة أوجيني. وتُعد هذه القطع من أندر مقتنيات المجموعة الإمبراطورية الفرنسية ولا يمكن تقدير قيمتها مالياً.
وأعربت السلطات الفرنسية عن خشيتها من أن يقوم اللصوص بإذابة الجواهر لإخفاء هويتها قبل بيعها في السوق السوداء، نظراً لفرادتها وصعوبة تداولها في الأسواق التقليدية.
وقال الخبير الأمني البريطاني ويل جيديس لصحيفة مترو البريطانية إن “السرقة تحمل بصمات الفهود الوردية الواضحة”، موضحاً أن العملية “كانت منفذة بطلب محدد وتخطيط عسكري دقيق”، مشيراً إلى أن اللصوص تحركوا “في وضح النهار عند التاسعة والنصف صباحاً، ما يعكس ثقة عالية وتنظيماً محكماً”.
وتُعرف عصابة “الفهود الوردية” بأنها تضم مئات الأعضاء من دول البلقان مثل صربيا ومونتينيغرو والبوسنة، وكثير منهم جنود سابقون يمتلكون خبرة عسكرية عالية. ويُقدّر عدد أفراد الشبكة النشطة حول العالم بنحو 800 عضو وفق تقديرات الإنتربول.
وللعصابة سجل طويل من عمليات السرقة الجريئة، إذ نفذت عام 2003 سرقة ألماس بقيمة 23 مليون جنيه إسترليني من متجر “غرايف” في لندن، كما استهدفت متحفاً في سويسرا عام 2008 وسرقت لوحات لرسامين عالميين مثل مونيه وفان غوخ وسيزان وديغا تجاوزت قيمتها 119 مليون جنيه إسترليني.
السرقة الأخيرة فجّرت موجة غضب رسمية في فرنسا، بعد أن أقرّ وزير العدل جيرالد دارمانان بـ“فشل الدولة في حماية رمز ثقافي عالمي”، معتبراً أن الحادثة “قدّمت صورة مؤسفة عن فرنسا”. وأكد وجود ثغرات خطيرة في نظام الحماية بالمتحف، خصوصاً بعد الكشف عن تقرير سري من هيئة الرقابة الفرنسية أظهر أن ثلث غرف جناح “دنتون” خالية من الكاميرات الأمنية رغم ميزانية المتحف الضخمة التي تتجاوز 280 مليون جنيه إسترليني سنوياً، كما تأخر الحراس والشرطة في الاستجابة للإنذار.
ويرى خبراء التحقيق أن العملية لم تكن عملاً عشوائياً بل خطة محكمة نفذها محترفون على دراية تامة بتفاصيل نظام الأمن في المتحف، ما يعيد للأذهان الجرائم الأسطورية لعصابة “الفهود الوردية”، التي رسّخت اسمها كأشهر عصابة سرقة في القرن الحادي والعشرين.
خلفية وتحليل
قضية متحف اللوفر الأخيرة تمثل ضربة قاسية لصورة فرنسا الثقافية والأمنية، كونها استهدفت أحد أهم رموزها التاريخية أمام أنظار العالم. وإذا ثبت تورط “الفهود الوردية”، فستكون العملية دليلاً جديداً على قدرة هذه الشبكة على تنفيذ جرائم معقدة بدقة شبه عسكرية حتى في أكثر الأماكن تحصيناً.
كما تسلط الحادثة الضوء على نقص الإجراءات الأمنية في المؤسسات الثقافية الكبرى، رغم الموازنات الضخمة، ما يثير تساؤلات حول فعالية منظومة الحماية الفرنسية. ويبدو أن التحدي الأكبر للسلطات حالياً هو استعادة المسروقات قبل تهريبها أو تدميرها، وهي مهمة معقدة بالنظر إلى خبرة العصابة في طمس الأدلة وإعادة بيع القطع المنهوبة.
هيثم حمد، مؤسس ورئيس تحرير شبكة هلا كندا الإعلامية، خبير في الإعلام الرقمي والاستراتيجيات الإعلامية، يتمتّع بخبرة واسعة في قيادة المشاريع الإعلامية وبناء منصات مؤثرة في كندا والعالم العربي.