هلا كندا – تصاعدت الاحتجاجات السياسية ضد الرئيس اليمني عام 2012 إلى مواجهات مسلّحة وقمع عسكري، فاضطر لبيب المفلحي إلى الفرار من وطنه هرباً من ثورة دامية.
ووصل المفلحي مع زوجته وأبنائه إلى مخيم تابع للأمم المتحدة في إثيوبيا، بينما تقدّم والداه المقيمان في كندا بطلب كفالة لجلب العائلة إلى مقاطعة أونتاريو.
وبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً، ما تزال أسرة المفلحي عالقة في أديس أبابا تعيش في حالة من الانتظار المرهق، في ظل صمت رسمي من سلطات الهجرة الكندية.
وتجاوزت أيام معاناته الخمسة آلاف منذ مغادرته اليمن، إذ حُرم من العمل، فيما كبر أبناؤه الثلاثة وأصبحوا شباناً بلا تعليم كافٍ ولا أفق واضح للمستقبل وهم يعيشون لاجئين في أرض غريبة.
وفي رسالة عبّر المفلحي عن “سنوات من الانتظار والمعاناة”، قائلاً إن “أسرة كاملة عاشت على هامش الحياة، بين قسوة العيش في إثيوبيا وخيبة الأمل في نظام لم يلتزم بوعوده والتزاماته الإنسانية”.
وتُعد الرسالة واحدة من عشرات الوثائق التي حملها والده صالح وشقيقه مختار من وندسور إلى أوتاوا لعرضها على أحد صحفيي القناة، وتشمل نسخاً من مراسلات مع مسؤولي الهجرة الكندية ووثائق أممية ومناشدات وُجهت إلى نواب البرلمان وثلاثة وزراء هجرة، إضافة إلى مستندات من المحكمة الفيدرالية.
وكشفت الوثائق عن خيبة أمل عميقة من برنامج “مجموعة الخمسة” للكفالة الخاصة باللاجئين في كندا، وعن الأثر النفسي والإنساني الذي خلّفه طول الانتظار على الأسرة العالقة في إثيوبيا وأقاربها في كندا.
وقال مختار، المهندس المقيم في وندسور، إن والدته التي كانت تتمنى رؤية ابنها الأصغر وأحفادها لم تتمكن من السفر بسبب مرضها، إذ أصيبت بالسرطان وتوفيت قبل أن يتحقق حلمها، مضيفاً: “لقد فقدنا الأمل في الحكومة الكندية، فكيف يمكن لنظام أن يعمل بهذه الطريقة؟”.
ويظهر في صورة عائلية أفراد من أسرة المفلحي المقيمين في أونتاريو، حيث شارك أكثر من ثلاثين قريباً في تقديم الدعم المالي والزمني لكفالة أسرة لبيب المكوّنة من خمسة أفراد والمحتجزة لاجئة في إثيوبيا.
وبات مختار يخشى اليوم أن لا يعيش والده صالح، البالغ 77 عاماً والمصاب بمرض في القلب، ليرى نتيجة طلب الكفالة الذي قدّمه عام 2012.
وتضمّن الطلب توقيعات من ثلاثين قريباً من المواطنين الكنديين، تعهدوا بتقديم الدعم الكامل للأسرة اللاجئة، كما أُرفق بإثباتات مالية أودعت في حساب ائتماني لدى منظمة خدمات المهاجرين في أوتاوا.
وخضع المفلحي، العامل في مجال البناء، لأول مقابلة مع المسؤولين الكنديين عام 2016، ثم مرّت ثلاث سنوات من دون أي تحديث، قبل أن يخضع لجولة جديدة من المقابلات والفحوص الطبية في عام 2019.
وفي نوفمبر 2021، تلقّت الأسرة بصيص أمل حين أبلغتها المفوضية العليا الكندية في نيروبي بأن جميع الشروط اللازمة لإصدار التأشيرات قد استوفيت، بل أُرسلت إليهم أرقام تأمين صحي مؤقتة، بينما بدأ شقيقه مختار في كندا تجهيز منزل لاستقبالهم.
لكن بعد شهر واحد فقط، تحطّم الأمل برسالة جديدة من المفوضية نفسها، اعتبرت فجأة اللاجئ اليمني “خطراً أمنياً”.
وأوضحت الرسالة الصادرة في ديسمبر 2021 أن “هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن المتقدم ينتمي إلى فئة أشخاص غير مقبولة بموجب الفقرة 34(1)” من قانون الهجرة.
وقررت العائلة الطعن في القرار أمام المحكمة الفيدرالية، التي حكمت لصالحهم لاحقاً.
وأظهرت وثائق المحكمة أن الرفض استند إلى اعتراف المفلحي بمشاركته في احتجاجات ضمن ما عُرف بـ”الحراك الجنوبي”، إذ اعتبرت السلطات الكندية أن هذا الحراك “جماعة إرهابية تسعى لقلب نظام الحكم”.
ودافع محامي العائلة، هارت كامينكر، عن موكله مؤكداً أن الضابط المعني استند إلى مصدر إلكتروني واحد فقط، وأن “الحراك الجنوبي” ليس تنظيماً مسلحاً بل توصيفاً لمجموعات تطالب بحقوق الجنوبيين في اليمن.
وقال كامينكر إن “كل ما فعله لبيب هو المشاركة في تظاهرات سلمية، مثلما يفعل الناس في أنحاء العالم للمطالبة بحقوقهم”، مشيراً إلى أن الحكومة اليمنية في ذلك الوقت كانت هي من ارتكب أعمال العنف.
ونُظر في استئناف العائلة في سبتمبر 2023، وأصدر القاضي في فبراير 2024 حكماً بإعادة دراسة الملف من قبل موظف هجرة آخر.
وخضعت الأسرة لمقابلات جديدة خلال الصيف الماضي، إلا أنه لا يوجد ما يضمن أن تكون النتيجة مختلفة هذه المرة.
وأكد كامينكر، الذي يعمل في مجال قضايا الهجرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، أنه لم يشهد قضية لجوء استغرقت كل هذا الوقت، واصفاً ما حدث بأنه “قاسٍ” و”مؤلم” بسبب المعاناة غير الضرورية التي فرضتها البيروقراطية على الأسرة.
وامتنعت وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية عن التعليق على القضية تحديداً، لكنها أوضحت في بيان أن مدد المعالجة تتأثر بعوامل متعددة، منها الأهداف السنوية للهجرة وتعقيد الملفات والفحوص الأمنية وسرعة استجابة المتقدمين للطلبات.
وكانت الوزارة قد أعلنت في نوفمبر الماضي تعليق استقبال طلبات الكفالة الخاصة لمدة عام واحد لمعالجة تراكم يزيد على تسعين ألف طلب قيد الانتظار.
وقالت وردة شاذلي ميغان، من المجلس العالمي للاجئين والهجرة، إن قضية المفلحي تعكس “دوامة لا تنتهي” تُضعف الثقة في نظام الهجرة الكندي لدى اللاجئين والكفلاء على حد سواء.
وأضافت أن “برنامج الكفالة الخاص يُشاد به عالمياً، لكن عندما تستمر مثل هذه التأخيرات والضغوط البيروقراطية، فإنها تقوّض جوهر التعاطف الذي بُني عليه البرنامج”، مشيرة إلى أن “سخاء كندا يفقد معناه عندما يستغرق الأمر 13 عاماً لإنقاذ عائلة واحدة”.
محرر أخبار في شبكة هلا كندا، يتمتّع بخبرة طويلة في مجال الصحافة والإعلام الإلكتروني