هلا كندا – في ظلّ تصاعد التوتر التجاري بين كندا والولايات المتحدة، وما خلّفته الرسوم الجمركية الأميركية من تداعيات على القطاعات الصناعية الكندية، يسعى رئيس الوزراء مارك كارني إلى مواجهة الأزمة عبر إستراتيجية لتنويع الأسواق الخارجية وخلق بدائل اقتصادية جديدة، في وقت تواجهه انتقادات داخلية حادة تتهمه بإهمال القضايا المحلية الملحّة.
ومنذ توليه رئاسة الوزراء في 14 مارس الماضي، نفّذ كارني 13 زيارة خارجية، عقد خلالها صفقات وشراكات اقتصادية، ويستعد هذا الخريف لجولة جديدة تشمل آسيا وأفريقيا.
وقال كارني خلال زيارته الأخيرة إلى لندن إنّ تحركاته الدولية تهدف إلى فتح أسواق جديدة للمنتجات الكندية وتعزيز جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية، مؤكدًا أنّه يسعى إلى “عرض مشاريع البنى التحتية الكبرى التي تشهدها كندا، واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال العالمية”.
لكنّ معارضيه يرون في هذه الجولات “ترفًا دبلوماسيًا” لا يخدم الواقع الداخلي، فقد هاجم زعيم حزب المحافظين بيير بوليفير رحلات كارني قائلًا: “على رئيس الوزراء أن يركّز على الجريمة وتكاليف المعيشة بدل العروض الخارجية”.
كما اتهم النائب أندرو شير كارني بتقديم “تنازلات” في المفاوضات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرًا إلى أن جولاته لم تحقق نتائج ملموسة كرفع الحظر على اللحوم الكندية أو توقيع اتفاقيات تجارة حرة.
وجاءت هذه الانتقادات بعدما فرضت واشنطن في أواخر سبتمبر الماضي رسومًا جمركية بنسبة 10% على الأخشاب و25% على المنتجات الخشبية، وهو ما يعدّ ضربة قاسية لكندا بوصفها أكبر مورّد للأخشاب إلى الولايات المتحدة، حيث تخضع أيضًا لرسوم أخرى بنسبة 35.2%.
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي زياد الغزالي أنّ صفقات كندا الجديدة مع إندونيسيا وبعض دول أوروبا وآسيا تمثّل خطوة نحو تقليل الاعتماد على السوق الأميركية، لكنه أوضح أنّها لن تعوّض الخسائر بالكامل، خصوصًا في قطاعات الصلب والألمنيوم.
واتفق معه مستشار الأمن المالي مدين سلمان، مؤكدًا أنّ “تنويع الشركاء خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها غير كافية لتقليل اعتماد كندا على السوق الأميركية التي تستحوذ على 75% من صادرات البلاد”.
أما خبير الخدمات المالية أحمد جاد الله، فشدّد على أنّ كندا لن تتمكن من تعويض خسائرها الجمركية خلال السنوات الخمس المقبلة، داعيًا إلى تسريع تنفيذ اتفاقيات مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ والتعاون الاقتصادي مع إندونيسيا، لما توفره من أسواق بديلة واسعة.
وأشار الخبراء إلى أنّ جذب الاستثمار الأجنبي يتطلب حوافز ضريبية وتبسيط الإجراءات، وتحسين البنية التحتية واللوجستيات، وتوسيع اتفاقيات التجارة الحرة مع الأسواق الناشئة في آسيا وأفريقيا، إلى جانب تعزيز الابتكار والطاقة النظيفة وتخفيف البيروقراطية.
ويرى المراقبون أن استمرار الحكومة في سياستها الحالية دون تحقيق نمو يفوق 2% سنويًا سيستدعي زيادة الإنفاق الحكومي، وتبني سياسات مالية توسعية في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية، مع دعم ريادة الأعمال وتنويع الاقتصاد الكندي باتجاه السياحة والخدمات والصناعات الرقمية.
بهذا، يجد مارك كارني نفسه بين ضغوط الداخل وضرورات الخارج، في معادلة صعبة بين إصلاح اقتصادي طويل الأمد وتطلعات آنية للمواطنين الذين يطالبون بإنجازات ملموسة في الداخل قبل الخارج.
محرر أخبار في شبكة هلا كندا، يتمتّع بخبرة طويلة في مجال الصحافة والإعلام الإلكتروني