هلا كندا – في بلدة هادئة تقع بين ستانستيد في مقاطعة كيبيك الكندية وديربي لاين في ولاية فيرمونت الأميركية، بدأ العمّال هذا الأسبوع إنشاء مدخل جديد من الجانب الكندي لمكتبة “هاسكل” التاريخية، بعد قرار أميركي أنهى قرناً من حرية العبور بين البلدين عبر هذا المبنى الثقافي الفريد.
على مدى أكثر من مئة عام، كانت مكتبة هاسكل تسمح للكنديين بالدخول إليها مباشرة من أراضيهم دون المرور بنقطة حدودية، إذ يقع جزء من المبنى في كندا والآخر في الولايات المتحدة، ما جعلها رمزاً للتقارب الثقافي والإنساني بين البلدين.
لكن الإدارة الأميركية الحالية قررت إلغاء هذا الترتيب التاريخي، مبرّرة ذلك بالحاجة إلى “الحد من الأنشطة غير القانونية العابرة للحدود”.
وقالت رئيسة مجلس أمناء المكتبة وهي تقف على الخط الأسود الذي يقسم المبنى إلى نصفين يمثلان البلدين:
“إنه يوم حزين، القرار أثار الكثير من الغضب على الجانبين… إنه نهاية لحقبة رمزية من الوحدة.”
وأضافت أن المدخل الجديد الذي يُبنى على الجانب الكندي سيتيح للزوار المحليين دخول المكتبة دون عبور الحدود الأميركية، في خطوة تعكس واقعاً جديداً من العزلة الحدودية بعد عقود من الانفتاح.
من رمز للوحدة إلى شاهد على الانقسام
شهدت المكتبة منذ تأسيسها عام 1904 مراحل متعددة من التشديد الأمني، خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ثم خلال جائحة كوفيد-19، إلا أن القرار الأميركي الأخير يمثل أول إنهاء رسمي لترتيب حدودي فريد كان يجسد روح التعاون بين كندا والولايات المتحدة.
وفي بلدة ستانستيد، التي تبعد نحو ساعة ونصف عن مونتريال وتشتهر بمنازلها الفيكتورية الجميلة، يشعر السكان بالحزن على ما وصفوه بـ“نهاية عهد”.
وقال أحد السكان في ديربي لاين:
“لطالما كنا عائلة واحدة، نزور بعضنا البعض بحرية، لكن اليوم نحمل جوازات سفرنا حتى لزيارة مكتبة مشتركة.”
من جانبها، أعربت إحدى المدرّسات في كلية ستانستيد عن استيائها من الاضطرار إلى الدخول عبر ما كان يوماً مخرج طوارئ، معتبرة أن القرار يحمل رمزية “مزعجة”، مضيفة: “لماذا هذا الشك المفاجئ بعد كل هذه السنوات؟”.
خلفية سياسية وتوتر متصاعد
يأتي هذا التحوّل في ظل تدهور العلاقات الكندية الأميركية، بعد تصريحات الرئيس الأميركي التي ألمح فيها إلى إمكانية ضمّ كندا كـ”الولاية 51“، ما أثار غضباً واسعاً في الأوساط الكندية.
وزادت الأمور توتراً بعد فرض رسوم جمركية جديدة أضرّت بقطاعات حيوية مثل الصلب، لترد حكومة أونتاريو بإطلاق حملة إعلامية مضادة، أعقبها إعلان واشنطن وقف المفاوضات التجارية مع كندا.
وفي المقابل، أكد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال عرضه للميزانية المقبلة أن العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة “لن تعود كما كانت”، مشيراً إلى أن “عقوداً من التعاون التجاري تمزّقت إلى الأبد”.
وأظهر تقرير صادر عن هيئة الإحصاء الكندية في يونيو الماضي انخفاضاً حاداً في عدد الكنديين الذين يسافرون إلى الولايات المتحدة، ما يعكس عمق التوتر في العلاقات الثنائية.
وقال أحد سكان ستانستيد المتقاعدين، بينما كان ينتظر زوجته أمام مكتبة هاسكل:
“لم نعد نذهب إلى الجانب الأميركي كما كنا نفعل. لكني أعتقد أنه عندما تتغير الحكومة هناك، ستعود الأمور إلى طبيعتها.”
مكتبة هاسكل… نهاية رمزية وبداية جديدة
رغم الحزن الذي يسود سكان البلدة، تؤكد إدارة المكتبة أن الحدث زاد من تلاحم المجتمع المحلي.
وقالت رئيسة المجلس:
“ربما انتهى عهد الانفتاح الحدودي، لكن روح الصداقة بين الناس على الجانبين أصبحت أقوى.”
هيثم حمد، مؤسس ورئيس تحرير شبكة هلا كندا الإعلامية، خبير في الإعلام الرقمي والاستراتيجيات الإعلامية، يتمتّع بخبرة واسعة في قيادة المشاريع الإعلامية وبناء منصات مؤثرة في كندا والعالم العربي.


