هيثم حمد
رئيس تحرير شبكة هلا كندا الإعلامية
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يجرِ حساباته بدقة قبل اتخاذ قراره بفرض رسوم جمركية على عدة دول تدعم الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر وكبير، مثل الصين، المكسيك، كندا، إلى جانب عدد من دول أمريكا الجنوبية والوسطى، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي. هذا القرار، الذي جاء بشكل متسرع، يعكس توجهًا تصعيديًا قد ينعكس سلبًا على العلاقات التجارية للولايات المتحدة.
منذ توليه السلطة، بدا واضحًا أن ترامب دخل ولايته الجديدة بروح انتقامية، مستهدفًا كل من سخر منه بعد خسارته في الانتخابات السابقة. ويبدو أنه اختار فريقه الحكومي بعناية، حيث ضم شخصيات تعكس أسلوبه الصدامي، مما يوضح نيته في تنفيذ سياسات حازمة، حتى لو أدت إلى مزيد من الانقسام.
رغم مرور أسابيع قليلة فقط على توليه الحكم، أحدث ترامب حالة من عدم الاستقرار داخل أمريكا وعلى مستوى العالم، حيث استخدم الضغط الاقتصادي والعسكري لتنفيذ أجندته الرئاسية، مما أدى إلى خلق خصوم جدد وتعزيز التوترات الدولية.
كندا، الجارة الأقرب للولايات المتحدة وأحد أهم حلفائها اقتصاديًا، سياسيًا، وعسكريًا، لم تكن بمنأى عن سياسات ترامب التصعيدية. فقد تجاهل كل الاتفاقيات والشراكات الاستراتيجية وفرض تعريفات جمركية على البضائع الكندية، في محاولة للضغط على الحكومة الكندية لدفع مزيد من الأموال إلى الخزانة الأمريكية.
علاقة ترامب وترودو متوترة منذ فترة رئاسته السابقة وهي مواجهة شخصية انعكست على بلد بأكمله
بصفته رجل أعمال، يتمتع ترامب بقدرة على استشعار نقاط الضعف واستغلالها لصالحه، وقد رأى في رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خصمًا يمكنه مواجهته بسهولة. فبعد أن عبر ترودو علنًا عن سعادته بخسارة ترامب في الانتخابات السابقة، جاء الرد هذه المرة قاسيًا عبر إجراءات اقتصادية عقابية ضد كندا، متجاهلًا تأثير ذلك على ملايين الكنديين.
من جهة أخرى، يعاني الاقتصاد الكندي من تدهور ملحوظ خلال فترة حكم ترودو، حيث انعكست سياساته بشكل سلبي على المواطنين، ورغم استقالته وتعطيل البرلمان، إلا أنه لا يزال يحاول معالجة ما تسبب به من أزمات اقتصادية متتالية.
الا انه وكما يُقال: “رب ضارة نافعة”، فقد شكلت هذه الأزمة فرصة لتوحيد الكنديين بمختلف توجهاتهم في مواجهة سياسات ترامب. خلال فترة قصيرة، ظهرت دعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية وتعزيز دعم الصناعات والتجار الكنديين، مما يعكس تنامي الوعي بأهمية الاعتماد على المنتجات الوطنية.
كما أن هذا الموقف يمنح الحكومة الكندية فرصة لإعادة تقييم استراتيجياتها الاقتصادية، والحد من الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية، من خلال فتح أسواق جديدة، وتوسيع العلاقات التجارية العالمية، إضافةً إلى بناء محطات تكرير النفط محليًا، بدلًا من بيعه كخام لأمريكا وإعادة استيراده بأسعار السوق العالمية، رغم أن كندا تعد ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم.
من المتوقع أن تؤدي هذه التعريفات الجمركية إلى مزيد من التوترات الاقتصادية والسياسية في المستقبل القريب، وسيكون الاختبار الحقيقي للحكومة الكندية الحالية هو مدى قدرتها على التعامل مع هذه التحديات دون خلق أزمات اقتصادية طويلة الأمد، كما حدث خلال جائحة كورونا. الأيام المقبلة ستكون حاسمة، فإما أن تجد كندا حلولًا بديلة، أو تواجه تداعيات اقتصادية غير مسبوقة!